Requests from referer
تاريخ القطعة
في عام 2018 قصدت د. ريم طارق المتولي البحرين لزيارة محلات محمد صالح زري في السوق القديم بالمنامة، فوجدت أن المحلات قد نقلت إلى المركز التجاري الجديد في العاصمة. في المتجر أمضت د. ريم نهارها كاملاً وهي تتحدث مع مديره بي كيه الذي كان قد وصل من الهند إلى البحرين قبل ثلاثين عاماً. آنذاك كان بي كيه في سن المراهقة، والتحق كعامل بسيط في محلات محمد صالح في السوق القديم، ثم تدرّج بمهامه الوظيفية إلى أن أصبح مديراً لتلك المحلات.
أثناء حديثها مع بي كيه أبلغته أن غايتها من الزيارة اقتناء قطع ملابس قديمة من الملابس التي صنعها آل زري في البحرين، لكنه الرجل أبدى أسفه لعدم وجود ما تريده د. ريم، وأبلغها أن كل ما لديهم صندوقين قديمين مهملين وهم في طريقهم للتخلي عنهما أو رميهما، لكنه سيكون سعيداً إن قبلت بعضها كهدية. فلم يكن من د. ريم إلا أن أبدت استعدادها لرؤية الصندوقين اللذين وجدت في أحدهما (ثوب نشل) صغير، بالإضافة إلى ثوبين آخرين، فيما يتضمن الصندوق الآخر قالباً قديماً كان يُستخدم لصك الزينة التي تُصنع من الذهب وتشبه قطع النقد، وهي ما يُطلق عليه اسم (حروف)، وكانت تُستخدم في الماضي لتزيين الأثواب أو البراقع. كما عثرت في ذات الصندوق على صورة بالأبيض والأسود لمحمد صالح زري المُتوفى.
أما المفاجأة الأخرى التي حملتها تلك الزيارة للدكتورة ريم فتتمثل بهدية قيّمة قدمها لها بي كيه، وهي عبارة عن لفافات ورقية تحتوي على شرائط من الفضة النقية (تلي) ما تزال مختومة بالشمع الأحمر، وهي من إنتاج مدينة ليون الفرنسية، وعلى الورق طُبع اسم الشركة المنتجة وتفاصيل عن المنتج.
في الأصل كانت شرائط القصب الفضية تلي توزن بالتولة وتُستورد من ولاية غوجارات الهندية، ومع الوقت أصبح النوع الفرنسي أكثر تفضيلاً بسبب جودته العالية.
يعتبر محمد صالح أحمد زري أحد أقدم خياطي ثوب النشل في البحرين وأشهرهم، وكان بعد خياطة الثوب وتطريزه بخيوط الزرِي يدوياً يطرق التطريزات التي يبتكرها إلى أن تصبح مصقولة وناعمة ولامعة.
ميزات القطعة
هذا الثوب شبه الشفاف الخاص بالأطفال (ثوب نشل) مصنوع من حرير الشيفون الأسود المستورد من الهند. مخيط على شكل حرف T، مع قطعتين جانبيتين (باط) من نفس القماش، تفصل بين جزئي الأكمام العلوية والسفلية. يتم تطريزها بكثافة بغرزة سلسلة بسيطة من خيوط فضية مطلية بالذهب (زري فضة) ومُحسَّنة بالترتر المعدني اللامع المذهب.
يتميز هذا الثوب بالتطريز الآلي الكثيف بخيوط الذهب (خوار زري فضة) بغرزة سلسلة بسيطة وزخارف نباتية (ورود)، مع أزرار متناسقة من الخيوط الذهبية ومزينة بالترتر وأنماط ميدالية متكررة.
يغطي التطريز مساحات كبيرة من الثوب، بما في ذلك محيط الياقة الدائرية وخط العنق والمحور المركزي (بدنة) الذي يصل إلى أسفل السرة.
يمتد التطريز من الكتفين نزولاً إلى الأسفل بشكل شريطين عريضين، وموجود حول فتحتي الكمين ومحيط الثوب من الأسفل. شكل بيزلي (كازوة) أو (بيذامة) كما هو معروف في البحرين، منتشر عبر الأكمام الخارجية والجزء الخلفي من الثوب.
هذا النوع من ثوب_نشل كان يُلبس فوق سروال تحتي (سروال) وقميص (دراعة)، في المناسبات الاجتماعية الخاصة. وهذا مثال مادي على المقولة العربية التقليدية (زينة_وخزينة)، أي “الجمال والمال في الواحد”. فالزينة الفضية ( منغد) أضيفت لإبراز الذوق الرفيع للمرأة ومكانتها الاجتماعية، لكنها وقت الحاجة تصهرها وتبيعها.
مزيد من التفاصيل
ثوب النشل هو زيّ شعبي تقليدي في منطقة الخليج العربي. عُرف بتصنيعه في البحرين منذ أربعينيات القرن الماضي، وقبل ذلك كان يُستورد من الهند حسب الطلب.
كان التجار يستوردون قماشه الحريري الشفاف المزين بخوص الفضة المذهبة (خوص زري) من غوجارات الهندية، وفي البحرين تتم خياطته وتطريزه، وسرعان ما اصبحت المواد الأفخم تستورد من أوروبا وبشكل أساسي من ألمانيا وفرنسا.
اسم الثوب هذا مقتبس من كلمة (منشل) أي القماش ذو الألوان الزاهية والمزين بكثافة الذي كان يُستخدم لتغطية الهودج (محمل) الذي تحمله الجمال وتنقله ضمن قوافل الحجيج إلى مكة في طريقها إلى (الحج). كما تم استخدام الهودج لنقل النساء على ظهر الجمال. وكان من المعتاد تغطية الهودج كخيمة بأجمل المنسوجات.
تاريخياً، كانت العروس ترتدي هذا الثوب في البحرين ومعظم منطقة الخليج العربي في ليلة الحناء أو زفافها.
يُخاط هذا الثوب بشكل حرف (T)، فيقصّ القماش بهيئة مقاطع طوليّة وعرضيّة، وتكون فتحة العنق دائرية أو مثلثة أو مربعة الشكل وذات شق أمامي يصل إلى منتصف أو نهاية منطقة الصدر، وتضاف على طول هذا الشق في بعض الاحيان أزرار كروية مصنوعة من الزري وتُفتح لها عُرى لإغلاق الشق.
خطوط العنق الكبيرة بيضاوية الشكل، سواء كانت سادة أو مزخرفة، هي سمة من سمات الملابس العلوية (أثواب) في الفترة بين أوائل العشرينات والستينات في العراق والكويت، وكذلك كان يرتديها البدو في بلاد الشام والفلاحون المصريون. وتعرف الملابس العلوية البحرينية (أثواب) من خلال خط العنق المستدير مع فتحة في الوسط والتي سرعان ما أصبحت مستوردة على نطاق واسع من قبل معظم دول الخليج العربي منذ أوائل الثمانينيات. بينما في الإمارات العربية المتحدة، تتميز الملابس العلوية بفتحة عنق مربعة الشكل.
تتم عملية التطريز قبل قص فتحة العنق لدعم عملية التطريز ولإثبات أن الثوب جديد. من المهم ملاحظة هذه النقطة لأنه في كثير من الأحيان يتم إعادة استخدام أو تدوير التطريز بشكل شائع.
يعتبر محمد صالح أحمد زري أحد أقدم خياطي ثوب النشل في البحرين وأشهرهم، امتداد لصالح زري ومحمد عبد القادر زَري. وكانوا بعد خياطة الثوب وتطريزه بخيوط الزرِي يدوياً يطرقون التطريزات التي يبتكرونها إلى أن تصبح مصقولة وناعمة ولامعة.
لاحقاً تطورت خياطة الثوب الذي أصبح يُخاط ويطرّز آلياً من عدة ألوان من حرير شيفون طبيعي أو صناعي. علاوة على ذلك، تم استخدام الخيط المعدني (زري) بدلاً من المطلي بالفضة أو الذهب، مما جعله في متناول الجميع.