Requests from referer
تاريخ القطعة
يعتبر (قفطان خريب) جزءاً من التراث الفاسي، وبالتالي من التراث المغربي.
كانت حرفة صناعة البروكار الـ(ديباج) المنسوج يدوياً تمارس في جميع أنحاء شمال أفريقيا، وتعود أصولها إلى القرن الثالث عشر من سلطنة ميرينيد الأندونيسية، وبحلول منتصف القرن العشرين كانت فاس هي المكان الوحيد الذي استمرت فيه هذه الحرفة إثر تدفق الآلات الصناعية. وعادة يستغرق نسج متر من البروكار يوماً كاملاً.
الشكل الذي يشبه الوردة والمعروف باسم (خريب) تعود أصوله إلى عائلة واحدة من كبار الحرفيين، وهي عائلة بنشريف. وتعتبر تلك العائلة سلسلة طويلة من الحرفيين المهرة الذين لا يزالون صامدين حتى اليوم. كانت قد استقرت في فاس حوالي منذ عام 1840 كعائلة من كبار معلمي الفسيفساء. تم استقبالهم بترحاب في المدينة، حتى أن السلطان محمد بن عبد الرحمن أرسلهم للمشاركة كفنانين في المعرض العالمي في باريس عام 1867. عندما انتقل سيدي أحمد بنشريف حفيد بن شريف إلى فاس تخلى عن مهنة الفسيفساء لصالح نسج البروكار المصنوع من خيوط حرير. ولاحقاً تحولت عائلة بن شريف إلى تجارة النسيج خصوصاً وأنها أصبحت بارزة في الحرفة الجديدة مع بداية القرن العشرين. بعد وفاة سيدي أحمد واصل ولداه عثمان وعبد القادر العمل في إرث العائلة. فاكتسبا شهرة أكبر بعد أن أرسل عثمان حزاماً منسوجاً بدقة كهدية للسلطان الحاكم مولاي عبد العزيز، فأُذهل السلطان من دقة العمل، واستدعى عائلة بنشريف إلى القصر ومنحهم رسمياً لقب النساجين البارعين.
في البداية كانت عائلة بنشريف الفاسية تصنع فقط أحزمة من الحرير المنسوج بألوان مختلفة والمغطاة بالذهب والفضة، وكانت تلك الأحزمة مخصصة للنساء من الطبقة المتوسطة والعليا. فيما بعد اتسع نشاط العائلة التي صنعت المعلقات الجدارية، وأغطية السرج، والأعلام الملكية. لم تكن أقمشة تلك العائلة مشهورة في فاس فقط، إنما في جميع أنحاء المغرب. لكن عندما انفتح السوق على الواردات الأوروبية انخفض إنتاج العائلة، إذ أغرقت الأقمشة المصنعة في ليون الفرنسية السوق المغربية، وشكلت منافسة للنساجين المحليين.
كانت عائلة بنشريف على دراية بتراجع مهنة نسج البروكار، فقرر أفرادها توسيع مجال عملهم من خلال صنع أقمشة مزركشة بالحرير لكن دون ذهب، وبأنماط زخرفية أبسط كي تناسب سوق الأثاث الأوروبي. في ذلك الوقت أصبح النمط الزخرفي الأكثر شهرة هو الوردة أو ما يُدعى الخريب والتي أصبحت العلامة التجارية لعائلة ابن الشريف.
وللبدء بجذب عملاء جدد من السياح الأوروبيين الذين يزورون المغرب؛ بدأت العائلة بإنتاج أشياء صغيرة مثل الحقائب والمناديل والحصائر، والتي أثبتت شعبيتها في جميع أنحاء العالم. في عام 1920 افتتحت عائلة بنشريف متجراً في بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية. على الرغم من أنها لم تعد دولية، إلا أن دار بنشريف لا تزال موجودة إلى يومنا هذا مع متاجر في مختلف المدن في جميع أنحاء المغرب، بما في ذلك فاس.
تم اعتماد أسلوب الخريب من قبل المصممين والمصممون المغاربة لاستخدامه في إبداعاتهم الخاصة، مما جعل ذلك النمط الزخرفي جزءاً لا يتجزأ من التراث المغربي. ومع أن اسم عائلة بنشريف لا تزال قائمة إلا أن حرفة نسج البروكار التقليدي اليدوية تحتضر، فمع حلول خمسينيات القرن الماضي لم يكن هناك سوى أربعة أو خمسة متاجر لصناعة وبيع هذا النوع من النسيج. في كتاب جان بيسانسينوت – زي المغرب – الذي نُشر لأول مرة في عام 1942، حدد المؤلف نسيج البروكار الذهبي بنمط الوردة المتكرر باعتباره النسيج الحضاري والعصري لمدينة فاس، وتم نشر مثال واحد منه على غلاف الكتاب، ومع ذلك فإنه يصف البروكار الحريري بأنه مستورد من ليون الفرنسية. لذلك، ربما تم إنتاج ذلك النسيج محلياً في هذا التاريخ المبكر وربما لا.
واليوم، يعتبر عبد القادر وزاني – 79 عاماً – آخر سيد يصنع البروكار في فاس. وآخر ما علمنا به أنه حتى عام 2019 كان يمارس مهنته، مستمراً على ذلك المنوال ولمدة تصل إلى 63 عاماً، وجين أراد تعليم المهنة لأحد من بعده لم يتمكن من العثور على متدرب شاب. ونظراً للوقت الذي يستغرقه نسج القماش المزخرف، فضلاً عن ارتفاع كلفة الخيط الذهبي والفضي؛ فإن زبائن عبدالقادر هم من أسماهم “نخبة النخبة”.
ميزات القطعة
في أواخر القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20 كان القفطان المزركش بكثافة نموذجياً بالنسبة لمدينة فاس، حينها كان الديباج أو البروكار منسوجاً من خيوط حريرية طبيعية ذات أصباغ طبيعية، ومزينة بزخارف نباتية وأرابيسك منفّذة بخيوط مصنوعة من الذهب والفضة.
ويُعرف نسيج البروكار ذو الورود المتكررة عليه باسم الخريب، وكلفة هذا القماش عالية كونه يخرب جيب من يريد الحصول عليه. وقد أصبح هذا النسيج مرادفًا لقفطان فاس المزركش.
تقليدياً؛ كان ارتداء قفطان الخريب الفاسي جزءاً من الزي الفخم الذي ترتديه العروس وضيفات حفل زفافها. ونظراً لارتفاع سعر هذا القفطان فقد كانت العروس تستأجره مع المجوهرات طوال أيام العرس.
وهذا القفطان من مجموعة زيّ ثقيل للغاية، إذا يزن حوالي 5 كغ بسبب الخيوط المطلية بالفضة. وفيه يتكرر رسم الورود باللونين الوردي والأخضر المحاطة بزخارف أرابيسك ذهبية. والقفطان مفتوح من الأمام إلى الأسفل يُغلق بأزرار كروية صغيرة (عقاد) مصنوعة من الحرير الذهبي اللون. وياقة القفطان مستديرة، وله فتحتان طويلتان في جانبيه محاطتين بشريط مصنوع من الخيوط الذهبية والحرير العنابي اللون، تسمى هذه الحواف (سفيفة)، وهي موجودة أيضاً حول محيط فتحتي الكمين العريضتين. وللكمين فتحتين جانبيتين تُغلقان أيضاً بالعقاد الذهبية والعنابية. وعند التقاء الكمين مع الكتفين تمت إضافة خيط معدني رفيع وكذلك في جانبي القفطان.
مزيد من المعلومات
توجد عدة أسماء للقفطان المغربي، من بينها (منصورية)، (تحتية)، قفطان خريب، (قفطان_مخزني).
اختلف المؤرخون حول الأصول القديمة للقفطان، فيرجع البعض الأساس إلى الهند وبلاد فارس، والبعض الآخر يعيدون أصل القفطان للعثمانيين. ويؤكد البعض أن القفطان وصل إلى المغرب فترة الفتح الإسلامي، أي حوالي 680 م. بينما لا يزال آخرون يدّعون أن القفطان مغربي الأصل، وقد ازدهر في عهد السلطان المغربي أحمد المنصور الذهبي (1578-1603م)، ومن المغرب انتقل إلى الأندلس في بداية القرن الـتاسع الميلادي بفضل الموسيقار زرياب.
على الأرجح أن القفطان وُجد منذ زمن قديم لدى العديد من المجموعات العرقية في بلاد ما بين النهرين القديمة، وربما خيط حينها من الصوف أو الكشمير أو الحرير أو القطن، وكان في الأصل عبارة عن سترة طويلة مربوطة عند الخصر وذات كمين طويلين، يرتديها الرجال عادةً. أما أول معلومة موثقة للقفطان في المغرب فتعود إلى القرن الـ16 الميلادي على الرغم من أن القفطان كان يُرتدى في جميع أنحاء الشرق الأوسط وبلاد فارس قبل هذا الوقت بوقت طويل.
وبغض النظر عن الاختلافات في وجهات النظر؛ إلا أن أحداً لا أحد ينكر حقيقة أن القفطان يحظى بشعبية كبيرة في بلاد المغرب العربي، وأن الجمالية كانت شائعة بشكل خاص في فاس وتطوان والرباط. ويشهد التاريخ أن مدينة فاس اشتهرت بمصانع الغزل والنسيج منذ بداية القرن الـ13 الميلادي، حيث تجاوز عدد المصانع ثلاثة آلاف مصنع، وكانوا النساجون ينتجون النسيج المستخدم في خياطة القفطان.
يمكن ارتداء القفطان في المناسبات الرسمية وغير الرسمية، وذلك اعتماداً على التطريز والزخارف الموجودة فيه. فهذا الزي يعبر عن ثقافة مجتمع بأكمله. إن التصميم والخياطة والتطريز بالخيوط الذهبية أو الحرير من الأعمال التي تتطلب مهارة عالية، ويقال: عن ذلك ” قفطان خدمة معلم ” أي أن خياطة وتطريز القفطان تمت على يد حرفي ماهر. ومن أشهر أنواع التطريز المعروفة في المغرب رباطي نسبة لمدينة الرباط، وفاسي نسبة لمدينة فاس، وهما الأكثر شيوعاً.
روابط ومواد للقراءة:
Besancenot, Jean (1990). Costumes of Morocco. Edisud, Aix-en-Provence.
Kassir, Mufida Abdlnor (1978). Historical Development of the Caftan Constume. Oklahoma State University.
Vogelsang-Eastwood, Gillian (2010). Embroidery from the Arab World. Primavera Press, Leiden.